اعلان الحكومة الجديدة

غالباً اليوم أو غداً تعلن الحكومة الاتحادية الجديدة.. أسماء جديدة تظهر وأخرى تتوارى.. والقديمة جداً تبقى.. ومن باب إبعاد الضجر والملل بعض الأسماء سيجري تدويرها بين الكراسي.. تتحرك إلى حقائب وزارية غير التي تشغلها.. وبعد إعلان التشكيل يغوص النّاس في التحليلات.. والتنقيب في سيرة القادمين.. ومصير القدامى الراحلين.. وتنتهي أيام الدهشة بالعودة إلى الوضع ذاته قبل التعديل الوزاري.. والسبب..!! أنّ الوصف الوظيفي لمنصب (الوزير) لا يزال معتماً.. وتكون مصيبة الوزير أكبر لو كتب الله عليه أن يكون له (وزير دولة).. خاصة إذا كانت (مكنة) الأخير كبيرة نوعاً ما.. فقد شهدنا في الماضي عدداً مقدراً من معارك الوزراء ضد وزراء الدولة وانتهت كثير منها بانتصار وزير الدولة.. إصلاح الحال التنفيذي في البلاد يتطلب تحديد مكمن المشكلة.. وبصراحة المشكلة هي في نظم وقوانين وتقاليد الخدمة المدنية في بلادنا.. إذ أضرّ بها وأنهكها التسييس.. منذ شعار ثورة أكتوبر (التطهير واجب وطني) إلى سيئ الذكر (الصالح العام) الذي ضرب الخدمة المدنية مثل التسونامي.. الوزير مهما كان مخلصاً.. وعبقرياً.. و متحمّساً لإصلاح الحال في وزارته فسيجد نفسه مثل الماكينة التي تعطلت كل تروسها ويواجه هول تحريك ترس واحد فيها.. أو مثل الطائرة التي يجلس في كابينتها الطياّر فيضغط على كل الأزرار فيجدها ساكنة لا تستجيب.. فلنبدأ بإصلاح مفاهيم الخدمة المدنية.. الخدمة المدنية هي رق مستعار.. تقوم على مبدأ (سادة وعبيد).. أصحاب القرار الأعلى يتحكّمون في مرؤوسيهم بقوة النفوذ.. لا بقوة القانون. المثير للعجب والحيرة أنّ القانون يمنح الموظف العام حصانة في مواجهة الشعب.. إذا اعترض أي فرد من الشعب على عمل موظف عام يخضع للمساءلة القانونية.. لكن إذا اعترض الموظف الأعلى على عمل موظف أدنى فالقانون لا يحمي الموظف الأدنى مهما كان محقاً وحريصاً على عمله والمال العام. الخدمة المدنية لا توفر حصانة للمحسن في عمله.. بل للمتنفّذ في سلطته.. مهما كان الأول محقاً.. ومهما كان الثاني جائراً.. فتتحول كل تروس الخدمة المدنية إلى آلة شريرة قمعية تأمر بالمنكر وتنهي عن المعروف.. فيستشري الفساد بل ويتطوّر إلى إفساد.. ويصبح حال الخدمة المدنية مثل حال قوم لوط الذين قالوا: (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنّهم أُناس يتطهرون..) فالموظف الطاهر خطر كبير على المفسدين في الوزارة.. لأنّه مصان بنظافة يده وقادر على كشف عورة الفساد. لكن عندما يصبح الجميع مثل قوم فرعون.. عراة.. فلا أحد يضحك.. لا تضيعوا زمنكم في انتظار قوائم المغادرين للوزارة والباقين والقادمين الجدد.. فلا جديد..!! أقصد في الحال.. وليس في الأسماء..!!